تعليق التمائم ( الخطبة الأولى )
الحمد
لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين أما بعد : فيا عباد الله، : أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى
اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. يقول
الله تعالى : }وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ
فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ
لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ{ يونس (107) يقول السعدي – رحمه الله – في تفسيره
لهذه الآية :" هذا من أعظم الأدلة على أن اللهَ وحده المستحقُّ للعبادة، فإنه
النافعُ الضار، المُعطي المانع، الذي إذا مسَّ بضُرٍ، كفقرٍ ومرضٍ، ونحوِها { فَلَا
كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ } لأن الخلقَ، لو اجتمعوا على أن ينفعوا بشيء، لم ينفعوا
إلا بما كتبه الله، ولو اجتمعوا على أن يضروا أحدا، لم يقدروا على شيء من ضرره،
إذا لم يُرِدْهُ اللهُ، ولهذا قال: { وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ
لِفَضْلِهِ } أي: لا يقدر أحد من الخلق، أن يردَّ فضلَه وإحسانَه، كما قال تعالى:
{ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ، فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا
يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } { يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ } أي: يختصُّ برحمته من شاء من خلقه، والله ذو الفضل العظيم، {
وَهُوَ الْغَفُورُ } لجميع الزلات، الذي يوفِّقُ عبدَه لأسباب مغفرتِه، ثم إذا
فعلها العبدُ، غفر اللهُ ذنوبَه، كبارَها، وصغارَها.{ الرَّحِيمِ } الذي وسِعتْ
رحمتُه كلَّ شيء، ووصلَ جودُه إلى جميع الموجودات، بحيث لا تستغنى عن إحسانه، طرْفةَ
عين، فإذا عرفَ العبدُ بالدليل القاطع، أن اللهَ، هو المنفردُ بالنعم، وكشْفِ النِّقم،
وإعطاءِ الحسنات، وكشْفِ السيئات والكُرُبات، وأن أحدًا من الخلق، ليس بيده من هذا
شيءٌ إلا ما أجراه اللهُ على يده، جَزَمَ بأنَّ اللهَ هو الحقُّ، وأنَّ ما يدعون
من دونه هو الباطل" عباد الله : وفي كتاب مجموع فتاوى ابن باز المجلد الثامن ص 304 سئل – رحمه الله- عن شرح حديث: «من علق تميمة فقد
أشرك »صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 6394 فأجاب بقوله : " هذا الحديث ورد
باللفظ الآتي: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم يقول: « إنَّ الرُّقى، والتَّمائمَ، والتِّوَلةَ شِركٌ"، رواه أحمد وأبو
داود، سنن
أبي داود الطب (3883) ، مسند أحمد بن حنبل (1/381) والتمائم: شيء يعلق على الأولاد من
العين، وهي ما تسمى عند بعض الناس بالجوامع وبالحجب والحروز، وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «من تعلَّقَ تميمةً فلا أتمَّ اللهُ له » مسند أحمد بن حنبل (4/154) . ، وفي رواية: «من تعلق تميمةً فقد
أشرَكَ » مسند أحمد بن حنبل (4/156) . والعِلِّةُ في كونِ تعليقِ التمائمِ
من الشرك هي واللهُ أعلم: أن من علَّقَها سيعتقدُ فيها النفعَ، ويميلُ إليها
وتنصرفُ رغبتُه عن اللهِ إليها، ويضعُفُ توكُّلُه على الله وحده، وكلُّ ذلك كافٍ
في إنكارها والتحذيرِ منها، وفي الأسباب المشروعة والمباحة ما يُغني عن التمائمِ،
وانصرافُ الرغبةِ عن اللهِ إلى غيرِه شركٌ به، أعاذنا الله وإياكم من ذلك. وتعليقُ
التمائمِ يعتبرُ من الشرك الأصغر ما لم يعتقدْ مُعلِّقَها بأنها تدفعُ عنه الضررَ
بذاتِها دونَ الله، فإذا اعتقدَ هذا الاعتقادَ صار تعليقُها شِركا أكبر" مجموع فتاوى ابن باز المجلد الثامن ص
304
وهكذا – أيها المسلمون – فقد كان النَّبيُّ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حريصًا على بِناءِ العَقيدةِ الصَّافيةِ في قُلوبِ
المؤمِنينَ، وتَخليصِها من آثارِ الجاهِليَّةِ السَّيِّئةِ، ومن ذلك بِناءُ
عَقيدةِ التَّوكُّلِ على اللهِ، وعَدمُ اعْتِقادِ أنَّ النَّفعَ والضُّرَّ يُمكِن
أن يَأتي من غيره؛ فَكلُّ شَيءٍ في الكونِ مِن قَدرِ اللهِ ،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } قُل
لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{ التوبة (51)
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم إنه تعالى
جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ،
وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى
اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
كَثِيرًا.. أما بعد فيا عباد الله : فقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
رَفيقًا بالنَّاسِ، فكانَ يَأمُرُهم بما فيه نَفْعُهم في الدِّينِ والدُّنيا،
ويُصَوِّبُ لهم ما اعتادوا عليه مِنَ الأفعالِ التي يَكونُ فيها ضَرَرٌ
بعَقائِدِهم أو مَنافِعِ حياتِهم ففي صحيح البخاري عن أبي بشير
الأنصاري – رضي الله عنه- " أنَّهُ كانَ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، في بَعْضِ أسْفَارِهِ، قَالَ عبدُ اللَّهِ: حَسِبْتُ أنَّه
قَالَ: والنَّاسُ في مَبِيتِهِمْ، فأرْسَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ، رَسولًا أنْ: لا يَبْقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِن وتَرٍ،
أوْ قِلَادَةٌ إلَّا قُطِعَتْ" صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3005 | وفي هذا الحَديثِ يَروي أبو بَشيرٍ الأنصاريُّ
رَضيَ اللهُ عنه أنَّهُ كانَ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعضِ
أسفَارِه، وكان النَّاسُ في مَكانِ نَومِهمُ الذي يَبيتونَ فيه في رِحالِهم
وخيامِهم، فأرسَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَخصًا إلى مَن كان معه،
قيل: هو مولاه زيدٌ، فأمَرَهم ألَّا تَبْقى قِلادةٌ مِن وَتَرٍ في رَقَبةِ بَعيرٍ،
وأنْ تُقطَعَ جَميعُ هذه القَلائدِ.
والقِلادةُ:
ما يُعلَّقُ في العُنُقِ مِن جَرَسٍ أو نَعلٍ أو غَيرِه، والوَتَرُ: هو وَتَرُ
القَوسِ، وهو عَصَبٌ مِثلُ خَيطٍ مَتينٍ كانوا يَشُدُّونَ به طَرَفَيِ القَوسِ،
وكانوا يُقلِّدونَها ذلك حَذَرًا مِنَ العَينِ، فأُمِروا بقَطْعِها؛ إيذانًا
بأنَّها لا تَرُدُّ مِن قَضاءِ اللهِ تعالَى شَيئًا. وقيلَ: إنَّما نَهَى عنِ التَّقليدِ
بالأوتارِ؛ لِأنَّ الدَّوابَّ تَتأذَّى بذلك، ورُبَّما تَعلَّقَ ذلك بشَجَرٍ،
فتَختَنِقُ فتَموتُ، ولِئَلَّا تَختَنِقَ الدَّابَّةُ بها عِندَ شِدَّةِ الرَّكضِ
والجَرْيِ، أو لِأنَّهم كانوا يُعلِّقونَ بها الأجراسَ، وفي حَديثِ مُسلِمٍ عن أبي
هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «لا تَصحَبُ المَلائِكةُ رُفقةً فيها كَلبٌ ولا
جَرَسٌ». وفي الحَديثِ: الحِرصُ على تَخليصِ التَّوحيدِ، وسَدِّ ذَرائِعِ
الشِّركِ، فاتقوا
الله عباد الله وصلُّوا وسلِّموا على نبينا محمدٍ رسولِ الله، ((إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه
أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان،
وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا
معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
وأذل الشرك والمشركين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات ، اللهم آمِنَّا في
أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق إمامنا خادمَ الحرمين الشريفين
الملكَ سلمانَ بنَ عبدِالعزيز بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، واجعله نُصرةً للإسلام
والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين ، اللهم وفق
ولي عهده الأمير/ محمد بن سلمان لكل خير وارزقه البطانةَ الصالحة يا رب العالمين ،
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا وأمنَنا وولاة أمرنا وعلماءنا واجتماع كلمتنا
بسوءٍ فأشغِله بنفسه، واجعل كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه تدميرًا عليه يا رب
العالمين. اللهم وفق جنودنا ورجال أمننا وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين ،
اللهم وفق علماءنا لما تحب وترضى ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا فإن لم تغفر لنا وترحمنا
لنكونن من الخاسرين ((رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))عباد
الله/ ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر
الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .
0 التعليقات:
إرسال تعليق