الفأل
الحسن ( الخطبة الأولى)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم
ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته ولنعلم أننا بحاجة إلى التفاؤل الذي اصطحبه نبيُّنا
- صلى الله عليه وسلم - في حياته كلِّها قولاً وعملاً؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم
: (- (لا طِيَرَةَ ، وخَيرُها الفَألُ . قالوا : وما الفألُ يا رسولَ اللَّهِ ؟
قالَ : الكلِمَةُ الصَّالحةُ يسمعُها أحدُكم ) صحيح
البخاري الصفحة أو الرقم: 5755 ، وكان يقولُ لِخَبَّاب في أوْجِ الشِّدةِ التي يلقاها من المشركين:
(ولَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ، حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت ما يخافُ
إلا اللهَ والذئبَ على غنمِه) صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3852 ، وكان إذا استسقى قَلَبَ رداءَه بعد
الخُطْبة؛ تفاؤلاً بتحوِّلِ حالِ الجَدْبِ إلى الخِصْب، وهكذا كانتْ حياةُ رسولِ
الله - صلى الله عليه وسلم - مليئةً بالتفاؤل، كان يتفاءَل بالأمْكِنة والأسْماء،
قال لأبي بكرٍ وهو يفْترِشُ معه ترابَ الغارِ، والكُفَّارُ مِنْ حولِه :( ما
ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!) صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3653 | ،عباد الله: لقد سلَك الإسلامُ كُلَّ سبيلٍ
في غَرْسِ رُوحِ التفاؤلِ بالخير في المجتمع المسلمِ، فأمَرَنا -صلى الله عليه وسلم-
بأنْ نَلْقى إخوانَنا بوَجْهٍ طَلْقٍ حتى نُشِيعَ في المجتمع روحَ التفاؤلِ والأمل،
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى
الله عليه وسلم-"كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى
أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إِنَاءِ أَخِيكَ"
سنن الترمذي الصفحة أو الرقم: 1970 . كما أمرَنا – صلى الله عليه وسلم - بإفشاء
السلام بينَنا حتى تَسُودَ المحبَّةُ والأُلفة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضي الله
عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " والَّذي نَفْسي بيدِهِ، لا تَدخُلوا
الجَنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتَّى تَحابُّوا، أفلا أدُلُّكم على أمْرٍ
إذا فعَلْتُموهُ تحابَبْتُم؛ أفشُوا السَّلامَ بينكم " أخرجه أبو داود (5193) واللفظ له،
والترمذي (2688)، وابن ماجه (68)، وأحمد (10650). وأمَرَنا - كذلك- بمُجالسةِ الجليسِ الصالحِ
الذي يُشبِهُ حاملَ المِسْك؛ حتى نَتلَمَّسَ من مصاحبته روحَ الصلاحِ والخير. عباد الله: وفي حديث الأنصاري الذي لزمَ المسجدَ حَزيناً
من كثرة هُمُومِه ودُيونِه، أرشدَهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى استبدال اليأسِ
بالأملِ والتفاؤلِ، وأنَّ عليه أن يتْرُكَ اليأسَ والتشاؤمَ ويُحْسِنَ التَّوكُّلَ
على الله -تعالى-. عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله
عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ
لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: "يَا أَبَا أُمَامَةَ، مَالِي أَرَاكَ جَالِسًا
فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ؟". قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ
يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ
أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟". قَالَ: قُلْتُ:
بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ
وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ
الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ". قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّى دَيْنِي" أخرجه أبو داود (1555)، والبيهقي في
((الدعوات الكبير)) (305). كما نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن
إشاعةِ رُوحِ التشاؤمِ في المجتمع بِسَبِّ الدَّهْرِ أو الادِّعاءِ بأنَّ الناسَ قد
هَلَكوا، وأنَّ الخيرَ قد انتهى من الناس. ففي
الحديث يقول – صلى الله عليه وسلم -(قال اللهُ تعالَى: يُؤذيني ابنُ آدمَ، يسبُّ
الدَّهرَ وأنا الدَّهرُ، بيدي الأمرُ، أُقَلِّبُ الَّليلَ والنَّهارَ) أخرجه البخاري (7491) واللفظ له، ومسلم
(2246) . ونهى -صلى الله عليه وسلم- عن تقنيطِ وتيئيس المرءِ لِمَنْ حولَه مهما
كانت الظروفُ والأحوالُ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه
وسلم- قَالَ: " إذا سمِعْتَ الرَّجلَ يقولُ : هَلكَ
النَّاسُ فهوَ أهلَكُهُمْ " أخرجه مسلم (2623)، وأبو داود (4983)، وأحمد (10006) ،عبــاد الله : التفاؤلُ يَدْفعُ بالإنسانِ
نحوَ العطاءِ والتقدُّمِ، والعملِ والنجاحِ، بعون الله تعالى ، ويُولِّدُ هِمَّةً
عاليةً وعزيمةً ونشاطًا مُتجددًا، والمُسلمُ المتفائلُ مُتوكِّلٌ على الله، يعلمُ أنَّ كلَّ شِدّةٍ فَرَجُها آتٍ، يتوقّعُ
الخيْرَ، ويُحْسِنُ الظنَّ بالله الذي بيده مقاديرُ الأمورِ، ويعلمُ أنَّ الرحيمَ
سيجعَلُ بعْدَ العُسْر يُسْرًا، وبعد الضيق فرجًا، وبعد الحُزْن سُرورًا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]. بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم إنه تعالى
جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية
إن الحمد
لله نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
[آل عمران: 102 أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولْنعلم : أنَّ
أحسنَ أدويةِ المِحَن والمُلِمَّات، وأنفعَها في الحالِ والمآل: هو حُسنُ الظنِّ بالله
تعالى، من خلالِ وجودِ الفَأْلِ الحَسَن ؛حيثُ يَحْسُنُ ظنُّك بربِّك وتقتدِي بهديِ
نبيِّك -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُعجِبُه الفَأْلُ الحسنُ،
ويكرَهُ الطِّيَرَة - وهي التشاؤُم- لأنها سُوءُ ظنٍّ بالله تعالى بغير سببٍ مُحقَّق؛
فإنَّ اللهَ -جل وعلا- يُجْرِي للعباد بالمصائِب الأجورَ، ويرْفعُ الدَّرجاتِ، ويُكفِّرُ
السيِّئاتِ، ثُم يُتبِعُها الفرَجَ وحُسنَ العواقِبِ، فكم من المِحَنِ في طيَّاتها
مِنَح!! وكم من العُسرِ أتبعَه اليُسرُ! (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5، 6]، ولن يَغلِبَ عُسرٌ يُسرَيْن، غيرَ أنَّ بدايةَ طريقِ
الوُصولِ من العُسر إلى اليُسر هو الفَأْلُ وحُسنُ الظنِّ بالله، ولم يقتصِرْ تفاؤُلُ
النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- على ما يكونُ في أرضِ الواقعِ؛ بل إنه يستحضِرُه حتى
في تعبير الرُّؤَى المناميَّة؛ فقد جاء في الحديث أنَّ النبيَ -صلى الله عليه وسلم-
قال: " رأيتُ ذاتَ ليلَةٍ، فيما يرى
النَّائِمُ، كأنَّا في دارِ عُقبةَ بنَ رافِعٍ. فأُتينا برُطَبٍ مِن رُطَبِ ابنِ
طابٍ. فأوَّلتُ الرِّفعةَ لنا في الدُّنيا والعاقبةَ في الآخِرَةِ، وأنَّ دينَنَا
قد طاب" صحيح
مسلم الصفحة أو الرقم: 2270. فما أعظمَ الفَأْلَ في سِيرةِ حبيبِنا
وقُدوتنا - صلى الله عليه وسلم-، إنه لا يُريدُ لأمَّته أنْ تيأسَ أو أنْ تتشاءَم؛
لأنه لم يُبعَثْ إلا رحمةً للعالمين، يُقرِّبُهم إلى الله، ويُحيِي روحَ التفاؤُلِ،
وحُسنَ الظنِّ بالله تعالى، حتى في حالِ الدعاءِ بين العبدِ وبين ربِّهِ، يُذكِّرُنا
-صلى الله عليه وسلم- بالفَأْل فيقول: " ادعوا اللَّهَ وأنتُم موقِنونَ بالإجابَةِ، واعلَموا أنَّ اللَّهَ لا
يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ " صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 3479 فاتقوا الله عباد الله وصلوا وسلموا
على محمدٍ رسولِ الله فقد قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الأحزاب : 56) وقال عليه
الصلاة والسلام ( من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) اللهم صل وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتده بهديه إلى يوم الدين وارض اللهم عن الخلفاء
الراشدين أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم
إلى يوم الدين وعنا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين . اللهم اجعل لنا من كل هَمٍّ فرَجاً، ومن
كل ضيق مخرجا، ومن كل عُسرٍ يُسرا، ومن كل بلاءٍ عافية، اللهم احقن دماءنا، واحفظ بلادنا،
وألِّفْ بين قلوبنا، ومن أرادنا أو أراد بلادنا بسوء أو مكروه فرُدَّ كيدَه في نحْره،
واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم وفق وليَّ أمرنا لما تحب
وترضى وهيءْ له البِطانة الصالحة ، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر دينَكَ
وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين. اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين،
برحمتك يا أرحم الراحمين، ونفِّسْ كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين،
واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201] عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا
عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ
عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم،
واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون .
0 التعليقات:
إرسال تعليق